ماذا لو أخبرتك أن بعض السيارات لا تموت أبدًا؟ أن محركاتها تستمر في الهمهمة حتى بعد اختفاء سائقيها، وأن عجلاتها تترك آثارًا دامية لا يمحوها الزمن؟
في أرشيف شرطة لوس أنجلوس المُغبر، يُخفي ملفٌ أصفر اللون سرًا مروعًا: صورًا لسيارة بورشه مُشوّهة تحمل الرقم '1300'، وبجانبها ملاحظة مكتوبة بخط مرتجف: 'هذه السيارة تبحث عن ضحايا جُدد'. منذ 1955، أصبحت هذه الوثيقة دليلًا على واحدة من أشهر لعنات السيارات في التاريخ..."
فما هي أسطورة "ليتل باستارد" أو اللعنة التي طاردت بورشه جيمس دين التي تأخذك بين بين الواقع والخيال في رحلة السيارة الأكثر شؤمًا في تاريخ هوليوود
في 30 سبتمبر 1955 و في ظهيرة ذلك اليوم المشؤوم، كان جيمس دين يقود سيارته البورشه 550 سبايدر المُلقبة بـ"ليتل باستارد" (Little Bastard) في طريقها إلى مدينة ساليناس بولاية كاليفورنيا للمشاركة في سباق سيارات. قبل ساعات من الحادث، أوقفته دورية مرورية لقيادته بسرعة 65 ميلاً في الساعة في منطقة محددة السرعة بـ55 ميلاً، ليُقدم له إنذارًا لم يُغير من إصراره على تحدي السرعة.
عند تقاطع طريقين قرب بلدة تشولام، اصطدمت البورشه بسيارة فورد تودور سيدان كانت تُقل سائقًا يبلغ 23 عامًا اسمه دونالد تورنابيد. وفق شهود عيان، بدا دين وكأنه حاول تفادي التصادم المباشر في اللحظات الأخيرة، لكن السرعة المهولة (التي تقدرها بعض التقارير بـ85 ميلاً في الساعة) جعلت الاصطدام حتميًا. لقي النجم الشاب مصرعه على الفور تقريبًا، بينما أصيب ميكانيكي البورشه، رولف ووثيريش، بإصابات بالغة نجا منها بأعجوبة.
بعد الحادث بأسابيع، اشترى جورج باريس – خبير تعديل السيارات الشهير – الحطام مقابل 2,500 دولار. بدأ باريس في جولة استعراضية غريبة، عرض خلالها بقايا السيارة في معارض السيارات مع لافتة مُثيرة: "آخر سيارة يقودها جيمس دين.. شاهدوا لعنة البورشه القاتلة!".
هنا تتوالى حلقات اللعنة بين الحقيقة والخرافة
حادثة الورشة: أثناء تفريغ الحطام في لوس أنجلوس، انزلقت البورشه من الرافعة وسحقت ساقي ميكانيكي، مما تسبب في بتر إحداهما.
محرك الموت: بيع المحرك لطبيب الأسنان تروي ماكهنري، الذي لقي حتفه بعد أشهر عندما اصطدمت سيارته (المزودة بالمحرك) بشجرة أثناء سباق محلي.
ناقل الحركة المشؤوم: الطبيب وليام إيشريتش اشترى ناقل الحركة، ليتعرض لاحقًا لحادث مروع يُعزى إليه إصابته بشلل نصفي.
حريق غامض: اشتعلت النيران في مستودع يحتوي على إطارات البورشه دون سبب واضح عام 1959.
من وجهة نظر علمية يشكك المؤرخون في مصداقية هذه الحوادث. فخبير السيارات جون راسكين يؤكد أن باريس أعاد تجميع السيارة من قطع غيار مختلفة لإضفاء الطابع الدرامي.
وكانت بعض التحقيقات الصحفية كشفت أن بعض "ضحايا اللعنة" لم يكونوا على صلة حقيقية بالسيارة. أضف الى ذلك ما أشار إليه المتحف الوطني للسلامة المرورية إلى أن تصميم البورشه 550 (بدون قضبان حماية) جعلها "قاتلة بطبيعتها" بسرعات عالية.
بعد عقود من التداول بين هواة جمع التحف، استقرت الأجزاء المتبقية عام 2020 في متحف "هونتيد ميوزيم" في لاس فيغاس، حيث يُعرض الهيكل المشوه في غرفة زجاجية مع إضاءة مروعة. يُصر مالك المتحف زاك باجانز على تسجيل "نشاط خارق" حول السيارة، مدعيًا التقاطه أصواتًا غريبة وأضواءً تومض تلقائيًا.
من وجهة نظر ثقافية يمكننا فهم استمرار هذا الغموض الذي يلف هذه السيارة فقد جاء توقيت الوفاة و الحادث بعد أسبوعين فقط من تحذير دين الشهير في إعلان مروري: "قودوا ببطء، فالموت ينتظر على الطريق".
هذا ومثلت رمزية السيارة البورشه 550 تحدي للشباب للخطر في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ومما لا شك فيه أن هوليوود استغلت الحادث في استوديوهات السينما لتعزيز صورة "النجم المتمرد الذي دفع ثمن جرأته".
رغم عدم وجود أدلة ملموسة على "اللعنة"، تبقى البورشه 550 رمزًا ثقافيًا معقدًا:
للمهووسين بالميكانيكا: تُعتبر تحفة فنية من عصر سباقات السيارات الكلاسيكية.
لمحبي الخوارق: نموذج مثالي لـ"الأشياء الملعونة" في الفولكلور الحديث.
للمؤرخين: شاهد على تحولات مجتمع الخمسينيات وعلاقته بالمخاطرة والشهرة.
وأخيرا اليك بعض التفاصيل الدقيقة
المحرك الأصلي: 4 أسطوانات، 1.5 لتر، 110 حصان
السرعة القصوى: 220 كم/ساعة (أسرع من معظم سيارات عصره)
الوزن: 550 كجم (مما يفسر هشاشتها عند الاصطدام)
كاتب كبير بمجرد ظهور أول ذكريات كان البحث عن المعرفة السيارية قد بدأ. وقد تم استكشاف مصادر معلومات مختلفة، حتى تلك المشبوهة، ومن بين هذه المصادر: ألعاب الفيديو والتلفزيون والمجلات أو حتى منتديات الإنترنت. وما زلت عالقة في ذلك الثقب النفسي.
