لا تحظى جميع السيارات بفرصة الخلود في ذاكرة عشاق القيادة. فبينما تنال بعض الطرازات مكانتها الأسطورية منذ لحظة ظهورها، تبقى أخرى في الظل، ليس لقصورٍ فيها، بل لأن الأضواء لم تُسلط عليها كما ينبغي. من بين هذه الطرازات، تبرز ميتسوبيشي لانسر 1977 كواحدة من السيارات الكلاسيكية التي جمعت بين البساطة والموثوقية وأداء يفوق التوقعات، ما يجعلها جديرة بإعادة الاكتشاف في زمن تزداد فيه الرغبة نحو استحضار روح الماضي.
أداء يفوق التوقعات رغم المظهر المتواضع
عند إلقاء نظرة أولى على ميتسوبيشي لانسر 1977، قد تبدو كسيارة بسيطة الشكل، لكن خلف خطوطها الكلاسيكية تختبئ تجربة قيادة تستحق التقدير. جاءت هذه النسخة مع نظام دفع خلفي ومحرّك رباعي الأسطوانات بسعة 1.4 لتر، يولّد 67 حصانًا وعزم دوران يصل إلى 104 نيوتن متر، متصل بناقل حركة يدوي من خمس سرعات، وهو ما أضفى على القيادة طابعًا ميكانيكيًا أصيلًا يُمتع عشاق السيارات الكلاسيكية.
رغم غياب أنظمة التوجيه الكهربائي الحديثة، قدّمت السيارة تجربة قيادة خفيفة ومباشرة، مع استجابة سريعة حتى عند السرعات المنخفضة. وأظهرت تماسكًا ملحوظًا في المنعطفات، رغم اعتمادها على نظام تعليق خلفي تقليدي يستخدم النوابض الورقية. وعلى الرغم من أن مواصفاتها التقنية تُعد بسيطة بمقاييس اليوم، فإنها قدّمت في وقتها أداءً يُحسب لها، وقيادة تنقل للسائق إحساس الطريق بصدق وتفاعل واضح.
من سيارة استخدام يومي إلى أيقونة في عالم الراليات
في السوق اليابانية، لم تُعتبر لانسر مجرد وسيلة تنقّل اعتيادية، بل شكّلت الأساس لانطلاقة ميتسوبيشي الجادة نحو عالم الراليات. انطلق هذا الجيل عام 1973 بمجموعة واسعة من خيارات المحركات، تراوحت بين 1.1 و1.6 لتر، وتوفرت بتصاميم متنوعة شملت السيدان، والكوبيه، والواجِن، ما وسّع من جاذبيتها في السوق.
أما النسخة SL تحديدًا، فقد تميزت بمقصورة داخلية راقية نسبيًا تضمنت مقاعد مخملية، وعدّاد دوران، ومقودًا بتصميم عميق، ما أضفى على السيارة طابعًا فخمًا يتجاوز فئتها التقليدية، وأكسبها حضورًا مختلفًا ضمن فئة السيارات المدمجة في تلك الحقبة.
وكانت المحطة الأبرز في مسيرة لانسر حين قدّمت ميتسوبيشي نسخة GSR 1600 المخصصة للمشاركة في رالي سفاري الشهير. ففي عام 1974، حققت هذه السيارة أول انتصار عالمي لميتسوبيشي في بطولة العالم للراليات، بعدما أثبتت قدرتها على اجتياز أكثر من 5,900 كيلومتر من الطرق القاسية في قلب شرق إفريقيا. بهذا الإنجاز، مهّدت لانسر الطريق أمام ولادة أسطورة ميتسوبيشي في الراليات، قبل سنوات من ظهور طراز "إيفو" الذي خطف الأضواء لاحقًا.
تجربة قيادة تحمل عبق الماضي
يأخذ الجلوس خلف مقود لانسر 1977 السائق في رحلة إلى زمن أبسط، حيث تتجلى متعة القيادة الخالصة بعيدًا عن الشاشات والأنظمة الإلكترونية الحديثة. يساهم انخفاض المقعد، والمقود النحيف، والدواسات المتقاربة في خلق بيئة قيادية تضع السائق في صميم التجربة، كأنه جزء لا يتجزأ من السيارة. ويأتي ناقل الحركة اليدوي خماسي السرعات ليضفي مزيدًا من التفاعل، خصوصًا على الطرق المفتوحة، حيث يساعد الترس الخامس في خفض ضجيج المحرك وتعزيز راحة الرحلة.
رغم اعتمادها على إطارات ذات مقطع عرضي ضيق، أظهرت لانسر توازنًا لافتًا وثباتًا متوقعًا في المنعطفات، بينما شكّل نظام التعليق الورقي نقطة ضعف نسبية عند مواجهة الطرقات الوعرة أو الأسطح غير المستوية. ومع ذلك، تفوقت لانسر بوضوح على كثير من السيارات البريطانية المنافسة في تلك الفترة من حيث جودة التصنيع ومتانة الهيكل، وهي مزايا لا تزال واضحة حتى اليوم، خاصة في النسخ التي لم تقطع مسافات طويلة.
أسطورة منسية في تاريخ ميتسوبيشي
يبقى السؤال الأبرز: لماذا لم تحظَ لانسر 1977 بما تستحقه من شهرة؟ قد يكون السبب في ذلك هو تسويقها في الولايات المتحدة تحت مسميات مثل دودج كولت، ما جعلها تُقدّم كخيار اقتصادي متأخر في وقت كانت فيه سيارات الدفع الأمامي أكثر رواجًا. ومع مرور الوقت، خطفت أضواء الشهرة أجيال لانسر إيفو، بفضل محركاتها التيربو، وتقنيات الدفع الرباعي، والتطور التكنولوجي الذي صاحبها، وهو ما ساهم في طمس بصمة الجيل الأول وتجاهل دوره التأسيسي في مسيرة ميتسوبيشي الرياضية.
ورغم أن طراز "إيفو" حجز المجد لنفسه على الحلبات وفي شاشات التلفزيون، إلا أن لانسر 1977 كانت الشرارة الأولى التي مهّدت لهذا الإرث. ومع ندرة السيارات الكلاسيكية القابلة للاستخدام اليومي وارتفاع قيمتها في السوق، تبرز لانسر كخيار فريد لعشاق القيادة الأصيلة الباحثين عن سيارة تنبض بروح الماضي.
قد لا تحظى لانسر الأولى بمكانتها في صفحات كتب التاريخ، لكنها لا تزال راسخة في ذاكرة من عاش تجربتها. إنها تبرهن أن بعض الأساطير لا تحتاج إلى ضوضاء كي تتألق، بل يكفي أن تجد من يقدّر جوهرها الحقيقي ليعيد لها بريقها المستحق.
كاتب كبير بمجرد ظهور أول ذكريات كان البحث عن المعرفة السيارية قد بدأ. وقد تم استكشاف مصادر معلومات مختلفة، حتى تلك المشبوهة، ومن بين هذه المصادر: ألعاب الفيديو والتلفزيون والمجلات أو حتى منتديات الإنترنت. وما زلت عالقة في ذلك الثقب النفسي.
